عندما تنظر إلى ساعتك لمعرفة الوقت، لا تكاد تنتبه إلى اتجاه دوران عقاربها. لقد اعتدنا على رؤيتها تتحرك من اليسار إلى اليمين لدرجة أننا لا نتساءل لماذا تتحرك بهذا الاتجاه. ومع ذلك فإن السؤال يستحق أن يُطرح. فلماذا تدور عقارب الساعة من اليسار إلى اليمين ؟
أصل دوران عقارب الساعة
للإجابة على هذا السؤال، علينا العودة إلى العصور القديمة. في العصور القديمة، استخدم المصريون، ثم اليونانيون، الساعات الشمسية البدائية، التي كان يطلق عليها اسم "ميل المزولة".
وهذه الأخيرة تتكون من قضيب بسيط يتم غرسه في الأرض أو إدخاله في قرص من الرخام أو غيره. في حركتها، تقوم الشمس بتحريك ظل القضيب على الأرض.
في نصف الكرة الشمالي، تتحرك الشمس، ظاهريًا، من الشرق إلى الغرب، مما يتسبب في تحرك الظل من اليسار إلى اليمين.
عندما ظهرت الساعات الميكانيكية الأولى في القرن الرابع عشر، كان على الحرفيين الذين صنعوها أن يقرروا الاتجاه الذي ستتجه إليه العقارب. كان لديهم نموذج جاهز، وهو الاتجاه الذي يتخذه ظل قضيب الساعات الشمسية.
وهكذا صارت عقارب الساعات الحائطية، ومن ثم ساعات اليد، في الدّوران من اليسار إلى اليمين. واتجاه الدوران هذا ترسّخ بقوة في ثقافتنا، لدرجة أننا عندما نريد الإشارة إلى اتجاه معاكس، نقول ببساطة إنه يسير عكس اتجاه عقارب الساعة.
ولكن إذا كانت عقارب جميع الساعات، من حيث المبدأ، تدور من اليسار إلى اليمين، فذلك لأن الساعات ظهرت لأول مرة في نصف الكرة الشمالي. ولو أنها رأت النور في نصف الكرة الجنوبي، حيث تتجه الشمس من الشرق إلى الغرب، لتحركت عقارب ساعاتنا من اليمين إلى اليسار.
ومع ذلك، فقد اعتمدت بعض الساعات بالفعل اتجاه الدوران هذا، والذي يسمى "عكس اتجاه عقارب الساعة" (counterclockwise). ومن هذه الساعات على وجه الخصوص الساعة الفلكية لكاتدرائية القديس بولس في مونستر، ألمانيا.
اعتمدت ساعات أخرى، مثل ساعة كاتدرائية سانتا ماريا ديل فيوري، في فلورنسا، أو ساعة مئذنة الجامع الكبير في تستور، في تونس، اتجاه دوران "عكس اتجاه عقارب الساعة".
الساعات الحديثة وتطور مفاهيم الوقت
مع تطور التكنولوجيا، أصبحت الساعات الرقمية هي السائدة، والتي لا تعتمد على عقارب متحركة. ومع ذلك، فإن فكرة دوران الوقت من اليسار إلى اليمين لا تزال راسخة في أذهاننا.