لماذا قد يؤدي إطعام شخص جائع إلى موته؟

مخاطر إعادة تغذية الشخص الجائع بسرعة

قد يبدو الأمر صادمًا وغير بديهي، إلا أن إطعام شخص يعاني من الجوع الشديد قد يؤدي في بعض الحالات إلى وفاته. هذه الظاهرة تُعرف طبيًا باسم "متلازمة إعادة التغذية" (بالإنجليزية: Refeeding Syndrome). وهي اضطراب استقلابي خطير يحدث عندما تتم إعادة تغذية شخص يعاني من سوء تغذية حاد بشكل سريع وغير مدروس.


ماذا يحدث للجسم أثناء الجوع الشديد؟

لفهم هذه الظاهرة، يجب أولًا معرفة كيف يؤثر الجوع الطويل على جسم الإنسان. عندما يُحرم الشخص من الطعام لفترات ممتدة – سواء بسبب المجاعة، أو مرض، أو إضراب عن طعام – ينتقل الجسم إلى وضعية "البقاء على قيد الحياة". في هذه المرحلة، يستنفد الجسم مخزون الجلوكوز، ويبدأ باستهلاك الدهون والعضلات كمصدر للطاقة.


يتباطأ النشاط الأيضي، وتنخفض مستويات الإنسولين في الدم بشكل ملحوظ، كما تنخفض بشكل حاد تركيزات بعض المعادن الأساسية مثل الفوسفات، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم.


وعلى الرغم من أن الجسم يتكيف مع هذا الوضع الخطير، إلا أنه يظل في حالة وهن وضعف شديد، إلى أن تحدث نقطة التحول الكبرى مع بدء إعادة التغذية.


لماذا تعتبر إعادة التغذية السريعة خطيرة؟

عند عودة الشخص لتناول الطعام – خصوصًا إذا تناول مباشرة أطعمة غنية بالكربوهيدرات – يحدث تحفيز مفاجئ لإنتاج الإنسولين. هذا الارتفاع المفاجئ في الإنسولين يؤدي إلى نقل الجلوكوز والمعادن الأساسية (الفوسفات، البوتاسيوم، والمغنيسيوم) بسرعة إلى داخل الخلايا، مما يؤدي إلى انخفاض حاد وخطير في مستوياتها في الدم.


وهذا الاختلال الكبير في التوازن الأيضي يُنهك الجسم الضعيف أصلًا، ويُعرّض الشخص لمضاعفات صحية خطيرة قد تشمل:

  • مشاكل خطيرة في القلب،
  • فشل في الجهاز التنفسي،
  • اضطرابات عصبية،
  • أو حتى توقف القلب المفاجئ.


والمؤسف أن كل هذه المخاطر قد تحدث في اللحظة التي يبدو فيها أن الشخص بدأ يتعافى ويتغذى من جديد.


دروس من التاريخ : مأساة ما بعد الحرب العالمية الثانية

شهد العالم مأساة واسعة النطاق لهذه الظاهرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد توفي حوالي 4500 ناجٍ من "المحرقة" خلال أيام قليلة من تحريرهم، ليس بسبب سوء التغذية بحد ذاته، وإنما بسبب إعادة تغذية مفرطة وسريعة قامت بها القوات المتحالفة بنية حسنة.


كيف يمكن تفادي متلازمة إعادة التغذية؟

اليوم، أصبح المجتمع الطبي أكثر وعيًا بمخاطر "متلازمة إعادة التغذية". فهي قد تظهر ليس فقط عند ضحايا المجاعات، بل أيضًا لدى مرضى يعانون من فقدان الشهية العصبي الحاد (Anorexia Nervosa) أو لدى بعض المرضى الذين يتابعون العلاج في المستشفيات.


لتجنب هذه المخاطر، يجب إعادة تقديم الطعام بشكل تدريجي ومدروس، مع مراقبة دقيقة لمستويات المعادن الحيوية في الدم، وضبط كميات السعرات الحرارية والمواد المغذية المضافة تدريجيًا.


الخلاصة: إطعام الجائع مسئولية دقيقة

رغم أن إطعام الجائع يعتبر من أسمى أفعال الإنسانية، إلا أنه يتطلب، في بعض الحالات، درجة عالية من الحذر الطبي. فليس الهدف مجرد ملء طبق بالطعام، بل فهم مدى قدرة الجسم المنهك على استقبال الغذاء بشكل آمن ومدروس.