تصنيع سلاح نووي ليس مجرد تجميع لمكونات متفجرة، بل هو واحد من أكثر المشاريع التكنولوجية والعلمية والصناعية تعقيدًا عرفها الإنسان على الإطلاق. فكل مرحلة من مراحل إنتاج هذا النوع من الأسلحة تتطلب خبرات متقدمة، تقنيات دقيقة، وبُنى تحتية ضخمة، ما يجعل هذا الهدف بعيد المنال بالنسبة لمعظم الدول.
1. العقبة الأولى: المادة الانشطارية
الخطوة الأساسية لصنع قنبلة نووية هي الحصول على مادة انشطارية قابلة لإطلاق تفاعل نووي متسلسل. هناك مادتان يمكن استخدامهما لهذا الغرض: اليورانيوم عالي التخصيب (بنسبة تفوق 90% من نظير اليورانيوم 235)، أو البلوتونيوم 239. لكن التحدي يكمن في أن اليورانيوم الطبيعي يحتوي بنسبة تزيد عن 99% على اليورانيوم 238، وهو غير صالح لصنع قنبلة.
عملية تخصيب اليورانيوم تعني فصل النظائر المختلفة، وهي مهمة معقدة للغاية. تتطلب هذه العملية تقنيات مثل الطرد المركزي الغازي، والتي بدورها تحتاج إلى منشآت ضخمة، مواد تتحمل ظروفًا قاسية، دقة عالية في التشغيل، والأهم من ذلك... وقت طويل. ولهذا السبب يصعب على معظم الدول القيام بها بسرية تامة.
2. البلوتونيوم: البديل الصعب
البلوتونيوم لا يتوافر في الطبيعة إلا بكميات ضئيلة جدًا، لذا يجب إنتاجه داخل مفاعلات نووية خاصة، ثم استخراجه عبر عمليات كيميائية من الوقود النووي المستخدم. وهذه بدورها عملية معقدة وخاضعة لمراقبة دولية صارمة، لأنها تتطلب تجهيزات صناعية متقدمة يصعب إخفاؤها.
3. تحدي الانفجار الداخلي (الانفجار بالانضغاط)
القنبلة النووية لا تنفجر ببساطة عندما يتم تجميع المادة الانشطارية، بل يجب ضغطها بدقة شديدة باستخدام متفجرات تقليدية موزعة حول قلب القنبلة. هذا الأسلوب يسمى "المُفجِّر بالانضغاط" أو بالإنجليزي "Exploding-bridgewire detonator"، ويحتاج إلى توقيت دقيق للغاية لا يتجاوز جزءًا من الميكروثانية. أي خلل بسيط في التوزيع أو التوقيت قد يجعل القنبلة عديمة الفعالية.
4. عقبة التصغير (التصغير العسكري للرؤوس النووية)
حتى لو نجح بلد ما في إنتاج قنبلة نووية، فإنها تفقد قيمتها العسكرية إذا كانت ضخمة جدًا أو يصعب نقلها. الدول النووية الكبرى تمكنت من تصغير رؤوسها النووية لتلائم الصواريخ الباليستية. ويستلزم ذلك خبرة متقدمة في هندسة المواد، التصميم النووي، والمحاكاة الرقمية المعقدة.
5. الحصار التكنولوجي والرقابة الدولية
تُعد معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، (بالإنجليزية: Treaty on the Non-Proliferation of Nuclear Weapons) والمعروفة اختصاراً بـ NPT، أداة رئيسية في الحد من انتشار التكنولوجيا النووية الحساسة. كما تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) وهيئات استخباراتية عالمية بمراقبة أي نشاط يثير الشبهات. وهذا يجعل مهمة تطوير برنامج نووي سري أكثر تعقيدًا من الناحية السياسية والدبلوماسية.
صناعة السلاح النووي... معضلة علمية وسياسية
باختصار، يتطلب تصنيع سلاح نووي دمج مهارات متعددة تشمل الفيزياء النووية، الكيمياء، الهندسة الدقيقة، علم المتفجرات، والخدمات اللوجستية الصناعية، إضافة إلى تفادي الرقابة الدولية. هذا المستوى من التعقيد هو ما جعل عدد الدول المالكة للأسلحة النووية محدودًا حتى اليوم، رغم مرور عقود على ظهور هذه التكنولوجيا.