على عكس ما قد يعتقده الكثيرون، لا تعيش الأشجار في عزلة صامتة، بل تمتلك نظام تواصلي متكامل ومذهل. فقد كشفت دراسات حديثة أن الأشجار – وخصوصاً تلك الأكبر سناً – تمتلك القدرة على التواصل فيما بينها من خلال شبكة دقيقة من الإشارات الحيوية الكهربائية. وهذا "الحديث الصامت" لا يحدث عبثاً، بل يحمل رسائل بالغة الأهمية، خاصةً للأشجار الأصغر سنّا، لضمان بقائها واستمراريتها.
تواصل خفي في أعماق الغابات
في دراسة دولية رائدة نُشرت في مايو 2025 ضمن مجلة Royal Society Open Science، قام فريق من الباحثين من جامعة "ساوثرن كروس" الأسترالية ومعهد التكنولوجيا الإيطالي (IIT) باستكشاف هذا السلوك في غابة من أشجار "البتولا" في جبال "الدولوميت". وتوصلوا إلى أن الأشجار تستخدم نظامها الكهرومغناطيسي لإطلاق إشارات تحذيرية عند اقتراب خطر بيئي مثل حدوث كسوف شمسي.
كيف تتفاعل الغابة مع الكسوف؟
عندما يكون الكسوف وشيكًا، تكون الأشجار الأكبر سناً هي أول من يستشعر التغيّر القادم في شدة الضوء. وقبل حتى وقوع الحدث، تبدأ بإرسال إشارات كهربائية حيوية تنتشر عبر أرجاء الغابة. وقد استخدم العلماء شبكة من المستشعرات منخفضة الطاقة لرصد هذه الإشارات، التي تبين أنها تحفّز استجابة مبكرة لدى الأشجار الأصغر سنًا، فتبدأ بدورها بالاستعداد للموقف.
هذه الاستجابة الجماعية تجعل من الغابة نظاماً متناغماً يتصرف كجسم واحد يتأهب لمواجهة الظرف الطارئ. فالكسوف قد يبدو ظاهرة طبيعية عابرة للبشر، لكنه بالنسبة للأشجار يمثل اضطرابًا مفاجئًا في دورة الضوء، ما قد يؤثر على عملياتها الحيوية الأساسية مثل التمثيل الضوئي، تنظيم المياه، ونقل المغذيات.
حكمة الشيوخ في عالم النباتات
لكن لماذا يُعزى هذا الدور الريادي للأشجار القديمة تحديدًا؟ وفقاً للعالمة "مونيكا غاليانو" من جامعة جنوب كاليفورنيا، فإن هذه الأشجار المعمّرة تعمل كمخزن لـ "الذاكرة البيئية". فهي لا تنقل معلومات عشوائية، بل تشارك تجاربها السابقة مع الأجيال الأصغر، ما يشبه نوعاً من الذكاء الجماعي النباتي الذي يرتكز على الخبرة والتراكم الزمني.
الحفاظ على الأشجار القديمة: مسئولية بيئية عميقة
تكشف هذه النتائج عن حقيقة بالغة الأهمية: حماية الأشجار الكبيرة ليست فقط مسألة بيئية بل هي ضرورة لضمان بقاء الغابات كمنظومات قادرة على التكيّف والتعليم والدفاع عن نفسها. ففي لغة الغابات الصّامتة، تهمس الأشجار القديمة للأصغر منها سنّا:
"استعدوا… لقد مررت بهذا من قبل، وسأرشدكم إلى طريقة النجاة".