لماذا يعاني البعض صعوبة في فهم الرياضيات ؟

صعوبات تعلم الرياضيات

يُنظر إلى "صعوبة فهم مادة الرياضيات" غالبًا كأمر حتمي أو نتيجة لمسار دراسي غير ناجح. ويُلقى اللوم عادة على التوتر، أو على طرق التدريس غير الفعّالة، أو على بيئة غير محفزة. لكن دراسة حديثة نُشرت في مجلة PLOS Biology غيّرت جذريًا هذه النظرة، إذ تشير إلى أن صعوباتنا مع الأرقام قد تكون مرتبطة بكيمياء الدماغ نفسه.


كيمياء الدماغ هي التي تتحكم في قدراتنا الحسابية

ركز الباحثون في هذه الدراسة على دور النواقل العصبية، وهي مواد كيميائية تنقل الإشارات بين خلايا الدماغ. وركزت الدراسة تحديدًا على اثنين من هذه النواقل:

  • الجلوتامات (Glutamate): الناقل العصبي المحفز الرئيسي في الدماغ.
  • GABA (حمض الغاما أمينوبوتيريك): الناقل العصبي المثبط الذي يعمل على تهدئة النشاط العصبي.


يشبه دور هذين المركّبين عمل دوّاسة الوقود والمكابح في السيارة؛ إذ يعملان معًا على تنظيم نشاط الدماغ.


العلاقة بين التركيب الكيميائي للدماغ والقدرة على حل المسائل الرياضية

باستخدام تقنيات تصوير متقدمة مثل "مطيافية الرنين المغناطيسي"، قام الباحثون بتحليل أدمغة مجموعة من الأطفال والمراهقين. ووجدوا أن التوازن بين الجلوتامات وGABA في منطقة معينة من الدماغ تُعرف بالقشرة الجدارية الداخلية اليسرى (left intraparietal cortex) مرتبط مباشرة بمهاراتهم الرياضية. هذه المنطقة معروفة بدورها في التفكير المنطقي ومعالجة المعلومات الرقمية.


النتائج المفاجئة: العمر يغيّر المعادلة

ما أدهش الباحثين هو أن العلاقة بين مستويات الجلوتامات وGABA تتغير مع التقدم في العمر:

  • لدى الأطفال الصغار: انخفاض مستوى الجلوتامات ارتبط بأداء رياضي أفضل.
  • أما لدى المراهقين الأكبر سنًا: فكان انخفاض مستوى GABA هو الذي ساهم في تحسين قدراتهم في الرياضيات.


هذا يشير إلى أن المرونة الدماغية — أي قدرة الدماغ على التكيف وإعادة التنظيم مع مرور الوقت — تلعب دورًا حاسمًا في كيفية تأثير هذه المواد الكيميائية على مهاراتنا الحسابية.


تأثيرات هذه الدراسة على التعليم وفهم القدرات العقلية

تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تُبرز أن المهارات الرياضية لا تعتمد فقط على جودة التعليم أو الجهد الشخصي، بل أيضًا على عوامل بيولوجية عميقة خارجة عن إرادتنا. لكن هذا لا يعني أن التحسن غير ممكن، بل يشير إلى أهمية تكييف الأساليب التعليمية لتناسب الطريقة التي يعمل بها دماغ كل فرد، بدلًا من مطالبة الجميع بـ "بذل جهد أكبر" فقط.


نحو فهم أكثر إنسانية لصعوبات التّعلم

من خلال تسليط الضوء على دور GABA والجلوتامات في الأداء الرياضي، تدعونا هذه الدراسة إلى إعادة النظر في الأحكام المسبقة حول الفشل الدراسي. فالضعف في مادة مثل الرياضيات قد يكون مرتبطًا بعوامل عصبية معقدة، وليس فقط بضعف الإرادة أو قلة المذاكرة.