كيف يتحول التوتر إلى قاتل صامت ؟

كيف تزيل التوتر، أعراض التوتر، أنواع التوتر، فوائد التوتر، ما هو التوتر النفسي، ماذا يحدث للجسم عند التوتر، أعراض التوتر العصبي الجسدية، علاج الإجهاد العصبي، ما هو الإجهاد، أدوية لعلاج الإجهاد، أنواع الإجهاد، آثار الإجهاد على الجسم، علاج الإجهاد البدني، علاج التعب والارهاق الدائم، علاج التعب والارهاق



عند تعرضك لخطر ما، لا سمح الله، يقوم التوتر بجعل جسمك مستعدا للقتال أو الفرار (fight or flight). وفي أقل من عشرين جزءاً من الثانية، يقوم الجهاز العصبي بتحفيز الجسم للقتال أو الركض بأسرع ما يمكن أو التنفس بشكل أسرع، حيث يبدأ الأدرينالين في التدفق في الجسم، مع سلسلة كاملة من ردات الفعل المفيدة : قلبك ينبض بسرعة ويزيد من ضغط دمك، لإيصال الأوكسجين إلى أعضاءك الحيوية بشكل أفضل. فيُصبح وجهك شاحبًا لأن الدورة الدموية تتركز في الأعضاء الأكثر حيوية : الذراعين والساقين والدماغ والعينين وحتى الأنف. لأن الهدف هو تمكينك من التصرف والتفكير بشكل أسرع؛ حيث يتوسع بؤبؤا عينيك لإعلاء كفاءة بصرك، ويصير فمك جافًا لأن هذه اللحظة ليست وقت تناول وجبة طعام، بل لإنقاذ حياتك. باختصار، يقوم جسمك بتعبئة جميع موارده، في أجزاء من الثانية، لتصل إلى أقصى قدراتك والنجاة بنفسك.


الضغوطات اليومية



في الواقع، يحدث نفس الأمر قبل إقدامك على إلقاء خطاب أمام حشد من الناس مثلا، أو المشاركة في مسابقة رياضية أو حتى في لقاء رومانسي. حيث يقوم جسمك بإعدادك لتقديم أفضل ما لديك. وهذا التوتر هو توتر "جيد" لأنه يساعدك على التغلب على المصاعب بكل أنواعها (عندما يصرخ، رئيسك في العمل، في وجهك، أو تواجه غضب زبون ساخط، أو غيرها من الصعوبات اليومية، مثل النزاعات الزوجية ..) حيث يقوم بتعبئة طاقتك لمواجهة كل هذه العواصف. كما يسمح لك بالتفاعل بسرعة عندما يكون هناك خطر وشيك، عندما ترى طفلك إقترب من الطريق مثلا.


كل هذه الضغوطات اليومية لا تشكل خطرا، لكن شريطة أن لايستمر هذا التوتر في الزمن. لأن استمرار التوترله عواقب وخيمة، فعلى سبيل المثال أثناء تناولك لوجبة الطعام، وأنت متوتر، لن تكون قادرًا على الهضم بشكل جيد. لأن جسمك، يتصرف كما لو أنك تواجه خطرا ما. والتوتر يؤثر أيضا على الجانب الإبداعي فيك : لأن جسمك في حالة طوارئ يوجه كل طاقته نحو تجاوز مشكلتك. وحتى الجروح تجد صعوبة في التعافي. حيث أظهرت دراسة حديثة أن المرضى الذين يعانون من الإجهاد المزمن تستغرق جروحهم  وقتا أطول بنسبة 40٪ للتعافي. وهذا منطقي، لأن جسمك المُجهد يُوجه كل طاقته نحو مقاومة المشكلة التي اعترضت طريقك، وليس لإصلاح نفسه ! الأمر كما لو أنك تجري سباق الماراثون كل يوم. فالنشاط البدني يشبه حالة التوتر : هو جيد إذا كان على فترات متباعدة وتعقبه راحة كافية. لهذا السبب ستصاب بالشيخوخة المبكرة وكل الأمراض المزمنة إذا استمر التوتر في حياتك بدون توقف.


وهناك نوع آخر من التوتر، تم اكتشافه مؤخرًا. وهو أيضًا وُضع فينا لإنقاذ حياتنا. ولكن اليوم في حياتنا المعاصرة، أصبح يُشكل خطرا حقيقيا على حياتنا.


من أي صنف من(التوتر)أنت ؟



في الحقيقة، أجسامنا ليست مبرمجة فقط، في حالة الخطر، على القتال أو الهرب (fight or flight). حيث هناك ردة فعل أخرى : وهي التجمد على الفور (freeze). ويحدث هذا عندما يشعر دماغك أنك لن تكون قادرًا على النجاة من الخطر المحدق بك، وبأنه ليس لديك أية فرصة. ولا توجد أي حيلة مطلقًا للقتال أو الهرب. في هذه الحالة يلعب جسمك ورقته الأخيرة. فبدلًا من خلق التوتر الذي يقوم بزيادة ضغط الدم لإيصاله لكل أعضاءك الحيوية، يقوم، على العكس، بخفضه، فتتقلص الأوعية الدموية وذلك لمنعك من النزيف كثيرًا في حالة الإصابة. فبدلاً من منحك الطاقة للقتال، يتسمر جسمك ويستعد لتحمل الأذى من خلال فرز مسكنات الألم (الإندورفين). وقد يصل الأمر إلى الإغماء، وهي استراتيجية نجدها كثيرا في عالم الحيوانات : تمويه الموت يستبعد الحيوانات المفترسة لأنها، غرائزيا، تنفر من الجثث (فربما قد تكون ماتت متسممة !). وهذه الاستراتيجية، التجمد أو التسمر لا تزال مفيدة. والدليل، حادثة الرجل الذي يدعى (تود أور) والذي نجى من هجوم دب في حديقة وطنية أمريكية فقط لأنه موه بأنه ميت !


وردة فعل "التسمر" هذه، كثيراً ما تصيب النساء اللائي يقعن ضحايا للاغتصاب. وغالبا ما يندمن على عدم مقاومتهن. لكن في الحقيقة هذا سلوك فطري لا يستطعن ببساطة التغلب عليه.


وبصرف النظر عن هذه الظروف الرهيبة، فإن هذا النوع من التوتر ليس سيئًا عندما يظل لحظيا، في مواجهة حدث خطير على سبيل المثال. ولكنه يتسبب بضرر بليغ عندما يتحول إلى واقع يومي. فنحن البشر حتى ولو لم نعش موقفا ما، نصاب بالتوترأو الإجهاد. فيكفي فقط أن نتخيل لحظة درامية أو مواجهة عائق ما حتى يبدأ جسمنا في الاستعداد لها (حتى لو كانت هذه اللحظة بعيدة في الزمن).


وينتج عن توقع الخطر هذا ردتي فعل مختلفتين : إما أن تشعر أن لديك القدرة على مواجهة الموقف، وفي هذه الحالة يقوم جسمك برفع التحدي وهو "التوتر الجيد" (fight or flight) الذي يدفعك للهروب أو القتال من خلال تعبئة كل طاقتك الجسمية والفكرية. وإما أن تظن أنك لست قادرا على المواجهة، وبالتالي يتسمر جسمك (توتر التجمد)، ما يزيد من مشاعر الخوف والقلق لديك.


فإذا كنت تعيش موقفا صعبا ما وتعتبره تهديدا أكثر من كونه تحديًا، فإن الإجهاد أو التوتر الناجم عنه يمكن أن يتسبب في ضرر بليغ بجسمك !

كيف تتفادى عواقب الاجهاد المزمن ؟


قام باحثون بدراسة حول أمهات يعتنين بأطفال مصابين بمرض مزمن ويعانين من ضغط مستمر وهائل. حيث قاموا بقياس "التيلوميرات" لديهن. والتيلوميرات تشكل حماية للصبغيات، وهي التي تكشف عن "العمر البيولوجي الحقيقي" للإنسان. فإذا كانت التيلوميرات طويلة، فهذا يعني أن الشخص مازال شابًا ويتمتع بكامل لياقته الجسدية والعقلية، ولديه فرص كبيرة للعيش حياة طويلة وصحية. ولكن إذا كانت التيلوميرات قصيرة الحجم، فمن الأرجح أن يُصاب صاحبها بالأمراض المزمنة ويموت في سن مبكرة. وقد وجد الباحثون أن الأمهات اللائي يعتنين بالأطفال المرضى أو المعاقين، عندهن تيلوميرات أقصر من غيرهن. وهذه هي نتيجة الاجهاد المزمن.


ولكن من بين هؤلاء الأمهات اللائي تعرضن للإجهاد الدائم، حافظ بعضهن على التيلوميرات طويلةً. فعلى الرغم من الإجهاد، لم يتأترن كثيراً !


ما سرهن؟



في الواقع، هؤلاء الأمهات، اللائي لم يتأثرن كثيرا، عرفن كيف يواجهن الضغط النفسي. ولإثبات ذلك قام الباحثون بتعريضهن لضغط "تجريبي". ولاحظوا أنه، أثناء انتظارهن للاختبار المُجهد، في غرفة الانتظار، اعتبرن الاختبار القادم تحديًا. بينما الأمهات اللائي لديهن تيلوميرات قصيرة، كُن ينظرن إلى الاختبار القادم "كتهديد"!


إن المشكلة إذا ليست في الصعوبة التي نواجه، بل في الفكرة أو التصور الذي يبنيه عقلنا حولها. وتصور هؤلاء النسوة للاختبار كتحد هو الذي أحدث الفرق. صحيح، أنه لا يوجد أبدًا رد فعل إيجابي مئة بالمئة، وتصورنا دائمًا هو مزيج من التهديد والتحدي. ولكن إذا كنت تميل إلى تصور المشكلة كتهديد أكثر من كونها تحديًا، فإن الإجهاد أو التوتر الناجم عنها يمكن أن يتسبب في ضرر بالغ لك !


قد يبدو الحل بسيطًا للغاية، لكنه كاف جدا لتغيير تصورك عن الاجهاد وإعادة توجيهه بشكل إيجابي.