في الثمانينيات، طور عالم الحشرات الأمريكي، تيري لي إروين، عملية رهيبة : تمثلت في رش مبيد حشري على 19 شجرة استوائية من فصيلة Luehea likannii، على مساحة هكتار من الغابات في بنما، وحصد الحشرات الميتة على القماش المشمع. هكذا تم إحصاء الحشرات الميتة، وقدر عددها الإجمالي الذي ناهز نحو 30 مليون نوع.
نتائج هذه العملية، التي نُشرت في عام 1982، كان لها تأثير عالمي : في ذلك الوقت، كان العلماء يعرفون القليل فقط عن الحشرات الموجودة في الظُّلَّة (بالإنجليزية : Canopy)، الجزء العلوي من الغابة، وكان عدد الحشرات في العالم يقدر بنحو 1.5 مليون نوع. منذ ذلك الحين، تطورت تقنيات العدّ أو الإحصاء. لا يزال المبيد الحشري مستخدمًا ولكن في بعض الأحيان فقط، ويفضل استخدام أنظمة أقل سمية :ألواح زجاجية ومصائد ضوئية وطرق محددة أخرى لجذب الحشرات اللاحمة (التي تتغذى على الحشرات النافقة). تساعد هذه الأساليب الجديدة على فهم وحماية الحشرات بشكل أفضل، والتي تلعب دورًا أساسيًا في النظام البيئي.
كم حشرة نبتلعها كل عام دون أن نعلم ؟
نبتلع نصف كيلو من الحشرات كل عام. في الواقع، على الرغم من أن الدستور الغذائي أو "كود الغذاء" - المعايير الغذائية الدولية المنسقة التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية في عام 1963 - تحظر وجود حشرات حية كاملة في الغذاء، إلا أنها تتسامح مع وجود شظايا من الحشرات. 0.1٪ كحد أقصى. وهكذا نجدها في المنتجات المصنوعة من الدقيق (الخبز، البسكويت، المعجنات، إلخ)، في الفواكه وعصائر الفاكهة والخضروات وحتى الشوكولاتة.
يمكن لمزرعة من 12 صرصار الليل أن تنتج 35000 صرصار في ستة أشهر فقط
لكن هذه الآلاف من النمل والبراغيش والبعوض التي تدخل في طعامنا ليست شيئًا مقارنة بالوليمة الحشرية التي يبدو أنها تنتظرنا بحلول عام 2025. الأمم المتحدة من تقول ذلك ! تربية الخنازير والدجاج وحيوانات المزرعة الأخرى من أجل اللحوم، تعتبر ملوثة للغاية ومكلفة للغاية لإطعام 7 مليار إنسان على هذا الكوكب (أو بالأحرى 9.7 مليار شخص وهو عدد البشر المتوقع بحلول عام 2050، وفقًا لأحدث توقعات الأمم المتحدة). ما لم نصبح نباتيين، علينا أن نتغذى على الحشرات. يلزم 10 كيلوغرامات من النباتات لإنتاج كيلوغرام واحد من اللحم بينما كيلوغرامان فقط كافيان لنفس الوزن من الحشرات. مزرعة من 12 صرصارًا ليليا يمكنها أن تنتج 35000 صرصاراً في ستة أشهر فقط ... هذا مقرف أليس كذلك ؟
بالنسبة لأخصائي التغذية، تعتبر الحشرات أولاً وقبل كل شيء مصدرًا ممتازًا للبروتين والدهون والعناصر الغذائية. تركيبها من الأحماض الأمينية يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية.
هل أكل الحشرات مفيد للصحة ؟
الغرض من أكل الحشرات هو الحصول على البروتين والدهون والمعادن. من الناحية التغذوية، تعتبر الحشرات الصالحة للأكل مصدرًا مهمًا للبروتين لأنها تمثل ما بين 30٪ و 65٪ من إجمالي المادة الجافة للحشرات.
بعد البروتينات، تعتبر الدهون المكونات الرئيسية للحشرات. يختلف تكوين الدهون كثيرًا من نوع إلى آخر، فاليرقات عمومًا تكون أكثر ثراءً في الدهون من الحشرات البالغة. تتشابه الأحماض الدهنية غير المشبعة للحشرات مع تلك الموجودة في الدواجن ولكن تحتوي على المزيد من الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة. ومع ذلك، تحتوي الحشرات على آثار قليلة أو معدومة من الـ EPA و DHA، وهما عناصر أوميغا 3 الأساسيان الضروريان لخلايا الجسم. لكن تحتوي الحشرات على حمض اللينوليك وأحيانًا حمض اللينولينيك.
تتكون كربوهيدرات الحشرات بشكل أساسي من مادة الكيتين، وهي ألياف لا يهضمها الجسم.
توفر الحشرات أيضًا الفيتامينات (بشكل أساسي A و B2 و C) والمعادن : على سبيل المثال، تحتوي اليرقات والنمل الأبيض على التوالي على 35.5 ملغ و 27 إلى 29 ملغ من الحديد لكل 100 غرام من الوزن الجاف، أي أكثر مما يحتاجه الشخص البالغ يوميًا. في 100 غرام من الجراد الجاف، يوجد أيضًا ما بين 226 و 238 ملغ من الفوسفور وحوالي 8 ملغ من المغنيسيوم. إن استهلاك 50 غرامًا من حشرات Eulepida mashona و Henicus whellani سيوفر 30 و 50 ٪ من متطلبات الزنك والحديد اليومية التي يحتاجها الإنسان.
توفر الحشرات أيضًا مضادات الأكسدة الغذائية
وجدت إحدى الدراسات أن الحشرات غنية بشكل خاص بمضادات الأكسدة. تحتوي المستخلصات القابلة للذوبان في الماء من الجراد وصراصير الليل (cricket) ودود القز على قدرة مضادة للأكسدة أعلى بخمس مرات من تلك الموجودة في عصير البرتقال !
ما هي أضرار أكل الحشرات ؟
يمكن استخدام مساحيق الحشرات كبدائل لدقيق الحبوب. يمكن أيضًا استخدام الحشرات كمنتجات بديلة في الأطعمة التي تعتمد على اللحوم بشكل عام. الحشرات هي أيضا مصدر بديل للبروتين لإطعام الماشية.
ومع ذلك، فإن استهلاك الحشرات ينطوي على عدد معين من المخاطر الصحية التي يجب أخذها في الاعتبار.
الخطر الأول لأكل الحشرات الصالحة للأكل : خطر الحساسية
تمثل المواد المسببة للحساسية الموجودة في الحشرات خطرًا كبيرًا يصعب تقييمه بدقة، نظرًا لأن استهلاك الحشرات لا يزال نسبيًا في بدايته. مظاهر الحساسية ممكنة، وقد تم الإبلاغ عن صدمات الحساسية (بالإنجليزية : anaphylaxis) المرتبطة باستهلاك الحشرات.
المخاطر المرتبطة بالبيورينات
توفر بروتينات الحشرات البيورينات. في الجسم، تتحلل هذه الجزيئات إلى حمض البوليك وبالتالي يمكن أن تكون ضارة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل النقرس.
السلامة الميكروبيولوجية
أخيرًا، هناك أيضًا خطر انتقال الكائنات الحية الدقيقة إذا لم تتم معالجة الحشرات.
ما هي الحشرات الصالحة للأكل ؟
تنتمي أنواع الحشرات الأكثر استهلاكًا في العالم بشكل خاص إلى العائلات التالية : الخنافس، اليرقات من قشريات الأجنحة (الفراشات)، غشائيات الأجنحة (النمل، الدبابير، النحل..)، مستقيمات الأجنحة (الجراد، والصراصير الليلية)، قافزات الأوراق (الزيز، الوزيد، الدودة القرمزية).
هل سنأكل الحشرات دون عِلمنا ؟
لا ! تقول المفوضية الأوروبية أن "المنتجات التي ستحتوي على الحشرات سيتم الإشارة إليها في الملصق لدرء أي خطر لرد فعل تحسسي". هذا يعني أنه إذا قمت بتفحص ملصق المنتجات، فسوف لن تأكل الحشرات دون علمك ! إنها نفس العملية التي تتم مع منتجات الحليب والبيض وما إلى ذلك، والتي يُشار إلى وجودها بوضوح على العبوة لتجنب الحساسية لدى الأشخاص المعنيين.