يُعد مرض الفصام من الاضطرابات العقلية المعقدة التي تنتج عن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية. ومن بين هذه العوامل، برز عامل مثير للاهتمام في العقود الأخيرة - طفيلي صغير يُعرف باسم "التوكسوبلازما غوندي" (Toxoplasma gondii) الذي تنقله القطط. فما علاقة هذا الطفيلي بمرض الفصام ؟
داء المقوسات : انتشار واسع وأعراض خفيفة
يُصيب داء المقوسات (التوكسوبلازموز) حوالي نصف سكان العالم، وغالباً ما يمر دون أعراض واضحة. معظمنا يسمع عن هذا المرض لأول مرة خلال فترة الحمل، حيث يشكل خطراً على الأجنة إذا أصيبت الأم به خلال فترة الحمل.
دورة حياة الطفيلي
يتميز طفيلي التوكسوبلازما بقدرة مذهلة على الانتشار، وهو كائن وحيد الخلية يحتاج إلى مضيف للتكاثر. تتم دورة حياته على مرحلتين:
- المضيف الرئيسي : القطط، حيث يتكاثر الطفيلي في أمعائها وينتج أكياساً دقيقة تُعرف باسم "البويضات المتكيسة" تخرج مع البراز
- المضيف الوسيط : الإنسان والحيوانات الأخرى، حيث يستقر الطفيلي في الأنسجة العضلية والدماغية
طرق العدوى
تحدث الإصابة بالتوكسوبلازما عبر عدة طرق :
- تناول الخضروات غير المغسولة جيداً والملوثة ببراز القطط
- التعامل مع صندوق فضلات القطط
- تناول اللحوم غير المطهية جيداً والمحتوية على أكياس الطفيلي
العلاقة المثيرة بين التوكسوبلازما والفصام
دراسات علمية مؤكدة
كشفت الدراسات العلمية عن علاقة مثيرة للاهتمام :
- تضاعف خطر الإصابة بالفصام لدى الأشخاص المتعرضين للقطط
- زيادة خطر الإصابة بالفصام بنسبة 2.73 مرة لدى المصابين بالتوكسوبلازما
- ارتفاع خطر تشخيص الفصام خلال 6 أشهر من الإصابة بالطفيلي
تأثير الطفيلي على الدماغ
يؤثر الطفيلي على الدماغ من خلال عدة آليات :
1. تلف موضعي في الخلايا العصبية
- حدوث نخر موضعي حول الأكياس الطفيلية
- التهاب يؤدي إلى تلف الخلايا العصبية المجاورة
- نقص في حجم المادة الرمادية في الدماغ
2. اضطراب الناقلات العصبية
- زيادة إنتاج الدوبامين
- ارتفاع مستويات الغلوتامات
- خلل في إنتاج حمض غاما أمينوبيوتيريك (GABA)
آثار جانبية أخرى
لا يقتصر تأثير التوكسوبلازما على الفصام فقط، بل يرتبط أيضاً بـ :
- اضطراب ثنائي القطب
- الوسواس القهري
- الإدمان
- زيادة خطر الوفاة بحوادث السير بنسبة 69%
- ارتفاع خطر الانتحار بنسبة 39%
الخلاصة
تكشف هذه الاكتشافات العلمية عن العلاقة المعقدة بين طفيلي التوكسوبلازما والصحة النفسية. ورغم أن هذا قد يبدو كقصة خيال علمي، إلا أن قدرة الطفيليات على التلاعب بأدمغة مضيفيها حقيقة علمية موثّقة، مما يفتح آفاقاً جديدة في فهم وعلاج الاضطرابات النفسية.