هل نظرية "الكوليسترول الضار" صحيحة ؟

تعتبر نظرية "الكوليسترول الضار" من المواضيع المثيرة للجدل في عالم الطب والتغذية. يُعتقد أن الكوليسترول الضار (LDL) يسهم في زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، ولكن هل هذه النظرية صحيحة بالكامل؟ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الكوليسترول ليس العامل الوحيد المؤثر على صحة القلب، بل تلعب العوامل الأخرى مثل نوعية النظام الغذائي، والوزن، والنشاط البدني دوراً مهماً. في هذا المقال، نستعرض الأدلة العلمية حول الكوليسترول الضار، ونسلط الضوء على المفاهيم الحديثة المتعلقة بصحة القلب وكيفية الحفاظ على مستويات كوليسترول صحية.

ليس عليك أن تكون خبيرًا في الكيمياء الحيوية لفهم مدى الخلل في نظرية "الكوليسترول السيئ".. لقد أثبت الباحثون والأطباء الشجعان والنزهاء حقيقة هذا الأمر تمامًا.


لكني أود في هذا المقال أن أقدم لكم بعض الحقائق التي لا يتناطح عليها كبشان، والتي يجب أن تكون كافية لجعلكم تشكون بجدية في نظرية "الكوليسترول الضار".


الأرقام التي تم إخفاؤها عن الناس لمدة 40 عامًا

بدأ كل شيء بالنتائج المذهلة لدراسة كبيرة أجريت في السبعينيات، عندما بدأو في إلقاء اللوم على الكوليسترول واتهامه بالتورط في كل شيء.


الغريب أنه تم إخفاء نتائج هذه الدراسة لمدة 40 عامًا. لكن تم نشرها أخيرًا، في 12 أبريل 2016، في المجلة الطبية البريطانية، وهي مجلة مرجعية.


ستفهمون فيما يلي لماذا لم ترق هذه الدراسة للبعض..


لعدة سنوات، تابع الباحثون 9400 مريض كانوا يعيشون في مؤسسات (مستشفيات أو دور مسنين). سمح ذلك بالتحكم في وجباتهم بدقة متناهية وإجراء اختبارات لدمائهم بانتظام.


تم تشكيل مجموعتين : الأولى كان يجب أن تتبع النظام الغذائي الكلاسيكي في ذلك الوقت، الغني بالدهون الحيوانية (الزبدة، على وجه الخصوص). والمجموعة الثانية تبنت نظام غذائي منخفض الدهون الحيوانية، لكنه غني بزيت الذرة.


كانت النظرية في ذلك الوقت تقول أن الدهون الحيوانية (ما يسمى بالدهون المشبعة) ترفع الكوليسترول وتسد الشرايين. على العكس من ذلك، كان من المفترض أن يكون ما يسمى بالدهون المتعددة أو الأحادية غير المشبعة مثل الزيوت النباتية (زيت الذرة أو زيت عباد الشمس..) مفيدةً للقلب.


كما كان متوقعا، شهد المرضى في مجموعة "زيت الذرة" انخفاض مستويات الكوليسترول، على عكس مجموعة "الدهون الحيوانية".


كانت المشكلة أنه على الرغم من هذا الانخفاض في الكوليسترول لدى مجموعة "زيت الذرة"،إلا أنهم عانوا ضعف عدد النوبات القلبية من الآخرين (41٪ مقابل 21٪ لمجموعة "الدهون الحيوانية"). ومن بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، شهدت مجموعة "زيت الذرة" أيضًا عددًا أكبر من الوفيات بنسبة 15٪!


والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه كلما انخفض مستوى الكوليسترول، زاد معدل الوفيات. وفقًا للتحليل الإحصائي، فإن كل انخفاض في الكولسترول الكلي بمقدار 0.3 نقطة يزيد من خطر الوفاة بنسبة 22٪.


وهناك حدث آخر طرأ في الأونة الأخيرة أظهر التناقض الشديد في نظرية "الكوليسترول الضار"، هذه النظرية التي تقول أن هناك كولسترول "جيد" و كولسترول "سيء".


بدأ كل شيء باكتشاف دواء جديد قوي للغاية مضاد للكوليسترول، تم تصنيعه بواسطة مختبر الأدوية Eli Lilly.


فعالية هذا الدواء لا تصدق : فهو قادر على زيادة "الكوليسترول الجيد" (HDL) بشكل كبير بنسبة 130٪، بينما يقلل الكوليسترول "الضار" (LDL) بنسبة 37٪.


كان من المفترض أن يقلل هذا الدواء بشكل فعال من عدد النوبات القلبية، أليس كذلك ؟


الجواب، لا على الإطلاق. ظهرت النتائج في 3 أبريل 2016 : المرضى الذين تناولوا هذا الدواء لم يعانوا من نوبات قلبية أقل من أولئك الذين تناولوا دواءً وهميًا.


اعترف مدير الدراسة، الدكتور (ستيفن نيكولز)، في حيرة من أمره :


كان لدينا دواء يبدو أنه يعمل على كل ما نحتاجه؛ كيف يمكن للعلاج الذي يقلل من شيء تم تحديده على أنه ضار ألا ينتج عنه أي فائدة ؟ 


كانت هذه النتائج غير ملائمة "للنظرية الرسمية" لدرجة أنه تم وضع حد للدراسة. وأعلنت شركة الأدوية أنها تخلت تمامًا عن البحث عن هذا "الدواء المعجزة".


لقد حان الوقت بالفعل لوقف التمويل : لأنها على الأقل الدراسة الخامسة التي أظهرت أنه لا فائدة من زيادة "الكوليسترول الجيد" (HDL) بشكل مصطنع.


بالنسبة لـ "الكوليسترول الضار" (LDL)، ما عليكم سوى الذهاب إلى اليابان لفهم أنه ليس سيئًا في حد ذاته.


اليابانيون يعانون من ارتفاع الكوليسترول ولكنهم بصحة جيدة

من المعروف منذ السبعينيات أن بعض الناس، على الرغم من ارتفاع نسبة الكوليسترول لديهم، لايعانون من النوبات القلبية. هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لشعب الإسكيمو (الإنويت) في (غرينلاند)، الذين كان نظامهم الغذائي غنيًا جدًا بالدهون الحيوانية (الفقمة، حيوان الرنة، إلخ).


لكن أسلوب حياة الإسكيمو كان بعيدًا عن العالم الغربي لدرجة أنه لم يول له سوى القليل من الاهتمام.


لكن، اليابان تعتبر حالة  تتوافق تمامًا مع النموذج النظري الذي يودون دراسته.


في أوائل الثمانينيات، تم الاستشهاد بهذا البلد باعتباره أفضل دليل على صحة "نظرية الكوليسترول". انظروا إلى أي مدى ينخفض ​​مستوى الكوليسترول لدى اليبانيين، كما قيل لنا... لهذا السبب عندهم عدد قليل جدًا من أمراض القلب !


إلا أنه في غضون ذلك، ارتفع مستوى الكوليسترول في اليابان بشكل واضح ولحق بمستوى الدول الغربية. لذلك كان ينبغي أن يشهد هذا البلد زيادة ملحوظة في أمراض القلب، أليس كذلك ؟


مطلقا. بل صارت الإصابة بأمراض القلب أقل من ذي قبل ! وإجمالاً، كان لديهم أمراض القلب 3 إلى 4 مرات أقل من الدول الغربية !


المحيّر أكثر : أظهرت البيانات الحديثة أن اليابانيين يعيشون لفترة أطول كلما ارتفع مستوى الكوليسترول "الضار" لديهم (LDL).


هاهي حقيقة أخرى "مُحيّرة" وهي ليست الوحيدة :


ثلاث حقائق بالأرقام تفند "النظرية الرسمية" للكوليسترول

فيما يلي ثلاث حقائق غير معروفة عن الكوليسترول. وهي حقائق لا يتناطح حولها كبشان، لكن يحرصون على إبقاءها في طي الكتمان.


الحقيقة رقم 1 : انخفاض الكوليسترول أمر خطير. من المعروف في عالم الطب أن مستويات الكوليسترول الضئيلة هي مشكلة كبيرة.


يعاني الأطفال الذين يولدون بنقص الكوليسترول من تأخيرات في الإدراك وضعف المناعة ومشاكل في الجهاز الهضمي. عندما يتم إعطاؤهم الكوليسترول، تتحسن حالتهم العامة.


إجمالا، لوحظ أن انخفاض مستوى الكوليسترول (أقل من 1.6 غرام) يرتبط إحصائيًا بارتفاع مخاطر الإصابة بنزيف المخ والسرطان.


الحقيقة 2 : المرضى الذين يدخلون المستشفى بسبب مشكلة في القلب لا يعانون من ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم. إنها دراسة كبيرة في عام 2009 التي كشفت عن هذه النتائج. عندما فحص الباحثون مستويات الكوليسترول لـ 232000 مريض في المستشفيات بسبب أمراض القلب، وجدوا أن مستويات الكوليسترول "الضار" (LDL) كانت... ضمن المعدل الطبيعي (1.05 غرام)!


وهذا المستوى الطبيعي من الكوليسترول ليس بسبب الأدوية المضادة للكوليسترول : 20٪ فقط منهم كانوا يتناولون أدوية الستاتين.


تم تأكيد هذه النتائج منذ ذلك الحين. الأسوأ من ذلك : من بين المرضى الذين تم نقلهم إلى المستشفى بعد نوبة قلبية، كان من بينهم حتى أولئك الذين لديهم أدنى مستويات الكوليسترول "الضار" LDL (أقل من 0.77) وهؤلاء كانوا هم الأكثر عرضة للوفاة !


الحقيقة 3 : وجود الكوليسترول يحمي كبار السن من السرطان والأمراض الأخرى


الدراسات واضحة جدّا : من بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 85 عامًا، يعيش الذين لديهم  نسبة كوليسترول أكبر لفترة أطول، وذلك لأنهم يتمتعون بحماية أفضل من السرطانات والالتهابات.


كل هذه الحقائق مجتمعة تنسف "النظرية الرسمية" للكوليسترول. لكن لا تزال هذه النظرية سائدةً لأنه دائمًا ما يستغرق الأمر وقتًا طويلاً قبل أن يدرك المجتمع الطبي أنه ارتكب خطأً جسيمًا وخطيرًا.


تنبيه : يجب على المرضى عدم التوقف عن علاجتهم دون مناقشة الأمر مع طبيبهم، وإذا كانوا قلقين يشأن أدوية خفض الكوليسترول، فيجب عليهم مناقشة هذا الموضوع مع الطبيب المختص.


ماذا تقول نظرية الكوليسترول وما علاقتها بأمراض القلب ؟

الكوليسترول عبارة عن دهون. يحتاج الكوليسترول إلى ناقل يمكنه الارتباط يه أثناء الدوران في وسط سائل مثل الدم. هذا الناقل هو البروتينات الدهنية أو الشحمية (بالإنجليزية : Lipoproteins)، وهي مزيج من الدهون والبروتينات. وهناك نوعان منها : البروتينات الدهنية عالية الكثافة (HDL) والبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة (LDL). تنقل البروتينات الدهنية عالية الكثافة (HDL) الكوليسترول إلى الكبد حيث يتم تكسيره. هذا الأخير يزيل الكوليسترول الزائد. يُطلق على HDL أيضًا اسم "الكوليسترول الجيد". على عكس البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) الذي ينقل الكوليسترول إلى خلايا الجسم ولا يسمح بإزالته، والذي يفعل العكس تمامًا.


عندما يصبح الجدار الداخلي للأوعية الدموية مهترياً، يمكن للكوليسترول السيئ (LDL) أن يخترقه. عن طريق التراكم فيه، يؤدي إلى تفاعل التهابي ويشكل ما يسمى بلوحة تصلب الشرايين. إن تراكم اللويحات الدهنية هذه هي التي تسبب أمراض الشريان التاجي عن طريق تضييقه. لهذا، هناك علاقة سببية مباشرة بين زيادة الكولسترول وأمراض الشرايين. وبعبارة أخرى، فإن البروتين الدهني منخفض الكثافة مسؤول جزئيًا عن حالات ترسب الكوليسترول في الشرايين، ومن هنا أطلق عليه اسم الكوليسترول السيئ.


في الواقع، مفاهيم الكوليسترول الجيد والسيئ مفاهيم سخيفة. لأن أمراض القلب والأوعية الدموية معقدة ومتعددة الأسباب ويجب أن نقبل فكرة أنها أمراض تتعلق بنمط الحياة وتحددها الظروف المعيشية للشخص.


من خلال التركيز على وصف الأدوية المخفضة للكوليسترول، فإننا ندير بالظهر الى المشاكل الفعلية التي تؤدي إلى أمراض القلب. يعتقد البعض أنهم يمكنهم الاستمرار في تناول الدهون السامة والتدخين لأن أدوية الستاتين تحميهم ! عند تقييم المخاطر على المستوى الفردي، يجب إعطاء الأولوية للتاريخ المرضي العائلي ونمط الحياة. وفيما يتعلق بالوقاية، يجب التركيز على عوامل الخطر الحقيقية مثل استهلاك التبغ، وقلة النشاط البدني والعادات الغذائية السيئة.